تحديات في المنح التنموي الخيري
كتب: طارق السلمان
مستشار المشاريع التنموية
mrtarekms@
ــــــــــــــــــ
لا تخطئ عين المتابع لمسيرة العطاء والعمل الخيري في المملكة العربية السعودية خلال العشرين سنة الماضية، تلك القيمة النوعية المضافة التي استجدت على ميدان العمل الخيري، جراء دخول (المؤسسات المانحة) في معادلة المنح، وتحول العطاء الفردي من رجال الأعمال والمحسنين إلى عطاء مؤسساتي مكتمل الأركان، تقوم به فرق عمل متميزة، وفق خطط ومعايير ومؤشرات دقيقة.
هذا الدخول للمؤسسات المانحة يشابه في شكله وأنماطه (بعض) ممارسات المنح في الدول التي سبقت، ويجتهد أن يجاري بعضها، ويتجاوز أخطاء بعضها الآخر، كما أن شريحة من تلك المؤسسات حاولت أن تصنع نموذجها الخاص والمميز، مما أثمر – لمن تأمل المشهد – عن خير كثير ونفع الكبير، وتطوير للعمل الخيري لا ينفيه إلا مكابر.
وبحكم طبيعة اهتمامي، وتجربتي الشخصية في العمل ضمن نطاق العمل المانح، والممنوح، وقربي من كثير من المشاريع في الميدان، والتواصل المستمر مع المؤسسات المانحة، أصبحت أتلمس جملة من التحديات التي برزت كآثار جانبية لتلك الممارسات الحديثة في المنح، وأرى مآلاتها والتي أصبحت ظاهرة للعيان في أغلبها، كما أنني استشرف المستقبل لمآلات أخرى هي على الطريق!
وبعيداً عن الإشارات والتلميح، فإنني أراني بحاجة إلى التصريح الذي يدفع لمناقشة تلك المآلات فيحجم من آثارها السلبية، ويحول التحديات إلى فرص للتحسين، ولعلّي أشارككم هنا بعض التحديات التي تتزاحم في الذهن، أسوقها هنا، بترتيب غير مقصود.
- تضاؤل الدعم “غير المقيّد” للجهات الخيرية:
فقد أصبح الدعم موجهاً لمشروعات بعينها، ولا تصرف الأموال إلا فيه، مما أثر ويؤثر على رشاقة الحركة وسرعة المعالجة للتحديات التي تواجه المنظمات في الميدان، مما جعل بعضها يعاني لتوفير مصروفات تشغيلية أساسية، رغم حصوله على الكثير من الدعم المخصص والمقيّد.
- الانشغال بدعم المشاريع عن بناء فريق العمل القائم بتلك المشاريع:
ففي القليل النادر من عمليات المنح، يتم التأكد والاستيثاق من قدرة فريق العمل على إنجاز الوعود والالتزامات، وتسيير المشروع وفق ماهو مخطط له، ولذا فسيكون من المفيد أن يتم تدعيم الموازنة بمبلغ إضافي – لا يتجاوز 5% من قيمة المشروع– بحيث يخصص للتدريب والتطوير وبناء القدرات المتعلقة بالمشروع، باعتبار أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد يكون ذلك التطوير فعالية قصيرة أو يسيرة تحدث أثراً فاعلا كجدولة زيارات ميدانية لمشاريع مشابهة، أو حضور مؤتمر متخصص في مجال المشروع، أو استضافة خبير في منطقة أخرى، أو دورة تدريبية في أدوات التنفيذ الأفضل للمشروع.
- طغيان التواصل المؤتمت على التواصل التفاعلي المباشر:
إذ أن التوجه نحو المنصات الإلكترونية، وأتمتة الأعمال، وتوظيف التقنية بشكل فاعل، أدى -رغم كل حسناته الكبيرة – إلى فقدان التواصل المباشر مع الجهات ومع القائمين على العمل، وأزال عمليات تجويد الأفكار، وإنضاجها، وتبادل المعلومات بشأنها، والذي كان يتم من خلال الحوار المتبادل بين الطرفين، وهي خسائر واضحة للعيان، وهو ما يوجب التوجّه إلى شيء من التوازن الذي يراعي الكم والكيف ونوعية الخدمة، فلا يصلح أن يكون تيسير التراسل سبباً في فقدان التواصل، ذلك انني أؤمن بأن الجهات المانحة تمنح ما يوازي المال أو يزيد عنه، وهو الاستشارة والنصح ونقل الأفكار وتطويرها.
- انقطاع العامين في المؤسسات المانحة عن العمل في الجمعيات:
فالعمل في المنح يفترض أن يكون مرحلة متقدمة، يسبقها العمل في الميدان الخيري المباشر، ذلك أن بعض العاملين في المؤسسات المانحة لم يسبق لهم العمل في القطاع، فربما أصبح ينظّر للمشاريع من برج عاجي، بسبب عدم تصوّره للتحديات الميدانية التي تعيشها الجمعيات بشكل فعلي، ولذا فمن المهم أن يتم تجسير هذه الهوة، من خلال بناء برنامج للراغبين في الالتحاق بالمؤسسات المانحة، بحيث يدمجه مع القطاع من خلال عدد من الأنشطة في عدد من الجمعيات المختلفة، لفترة محددة.
- قصر النفس والابتعاد عن المشاريع الممتدة:
فمن الملاحظ على غالب عمليات المنح أنها ذات تفس قصير، وهي وفق مبدأ (اضرب واهرب)، أي أنها تدعم لمرة واحدة، مشروعاً يقام خلال أيام أو أسابيع أو أشهر قليلة، ثم تنتهي المهمة، ويتم إقفال المشروع. وقل أن تجد مؤسسة مانحة تتبنى مشاريع ممتدة تنطلق من تخطيط تنموي يراعي الاحتياجات والأولويات، ويتعدد في المحاور ويشرك المانحين، وينتج تغييرا حقيقية في خارطة الجهات والمناطق بعد نهاية الدعم الممتد لعدة سنوات.
خاتمة:
أؤمل أن تلقى لدى المعنيين قبولاً حسنا، كما أنني سأكون في غاية السرور حين أتلقى نقداً أو إضافة على هذه التحديات، لأنني أشعر وأنا أكتبها أنني أقوم بالنقد الذاتي المنطلق من الممارسة الفعلية. وأنا متفائل بأن هذا الموضوع سيجد أصداء لدى خبراء أكثر كفاءة مني، أو لدى زملاء يزيدونني بصيرة في تحديات أخرى.
وهو جهد المقل، وسعي المجتهد، أتمنى أن أكون قد وفقت فيه للصواب.
والحمد لله رب العالمين.
المقالات الموجودة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب
بعض العاملين في الموسسات المانحة يعاملون الجمعيات الاهلية كما هي تعاملهم مع الشركات والمؤسسات التجارية
من خلال محاسبة الجمعيات الخيرية عن العائد الكمي والمادي من غير الاعتبار للعائد النفسي والاجتماعي الذي يحققه العمل
السلام عليكم
مداخلة من طالب
١- أرى أن المنصات الإلكترونية تفي بالغرض وتصلح أن تكون بديلا عن التواصل المباشر ولكن الأمر يتعلق بالقائمين على المشروع الخيري ومدى حرصهم على نجاح المشروع، وفي نفس الوقت لا يمكن أن ننسى أن للتواصل المباشر له آثار إإيجابية بين أصحاب المشروع
٢- كما تفضلت في مقالك تفتقر المشروعات الخيرية إلى عنصر الاستمرارية والتخطيط لعدة سنوات.
٣- مشاريع الجمعيات الخيرية مشاريع تقليدية مثل تعليم الخياطة أو مساعدة الفقراء بشكل دوري ،وذات أثر تقتصر على فئة معينة من ا المجتمع.
٤- لا ترى بعض الجمعيات الخيرية أهمية وجود قسم للرقابة الشرعية .
والسلام