ماذا ننتظر من مستقبل المؤسسات الأهلية

كتب: عبدالوهاب الفايز

AbAlFaiz@

ــــــــــــــــــ

اذا توسعت وتعمقت الروح الجديدة في المؤسسات الأهلية المانحة التي تدعمها مستهدفات (رؤية المملكة ٢٠٣٠)، ويدعمها مساندة وزراة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.. هل نستطيع رسم حدود لمستقبل المؤسسات الأهلية ودورها في تمكين القطاع الخيري السعودي في العقود القادمة؟

تغيرات واضحة في المفاهيم والممارسات يمربها القطاع

المؤشرات التي بين أيدينا تتيح لنا رفع سقف التطلعات الإيجابية، فالقطاع الخيري يشهد تغيير في المفاهيم والممارسات، ويمر بعملية تطوير للآليات الرقابية والتشريعية، والأهم: دخول قيادات جديدة في منظومة القطاع، وكل هذه تعطينا الأمل بتوسع مخرجات القطاع الخيري، وبحول الله تتفوق على ممارسات ومبادرات القطاع الخاص.

هذا التحول الإيجابي يُحسب للمجتمع السعودي، وأيضا مؤشر على الحماس والرغبة لدى النخبة لتفعيل روح العطاء الخيري، وتنمية مؤسسات الخدمات الانسانية غير الربحية. وهذه المكانه الايجابية تتطلب تسارع الجهود الحكومية لتفعيل دور القطاع الثالث.

الاجهزة الحكومة، منطلقة من دعم ورغبة القياده ومن مستهدفات برامج الرؤيه، بيدها الآن إطلاق (مشروع خاص) يستثمر تاريخ العمل الخيري، وأيضا قناعة وشغف المجتمع السعودي به، لأجل تمكين وتنمية مخرجاته عبر برنامج التخصيص والاسناد الذي تم إقراره مؤخرا، والذي يعطي الأجهزة الحكومية المرونة في ترسية العقود بشكلٍ مباشر حسب طبيعة المشروع.

هذه المرونه النظامية التي تتيح تعظيم المنفعة العامة للدولة تحتاج تطوير قناعة المنظومة البيروقراطية لإتخاذ خطوة عملية جريئة لبناء (راس المال الاجتماعي)، الذي يعد مصدرا مهما لهدف سام وهو: تعظيم (الثروة الوطنية). راس المال الاجتماعي يتولد من التشارك والتعاضد وبناء شبكات التعاون التي تحقق توسع شبكات الآمان الاجتماعي والنفسي للفئات الضعيفة ماليا ومهاريا في المجتمع.

التخصيص، والقطاع غير الربحي

والإقبال الواسع على التخصيص يتطلب التوسع في بناء شبكات الامان الاجتماعي. التخصيص عادة ومن تجارب الدول السابقة يترتب عليه ضرورات فنية تقنية وتشغيلية لخفض أعداد العاملين. وهنا تأتي اهمية التدخل الحكومي لاستيعاب مخاطر البطالة الاجتماعية والإنسانية. الأجهزة الحكومة لن تتمكن من إستيعابهم، وحتى القطاع الخاص لن يستوعب سوى أعداد قليلة لأن لديه إعتبارته الفنية التشغيلية.

وهنا ياتي أهمية التوسع في منشآت ومشاريع القطاع الخيري لاستيعاب البطالة والتخفيف من مخاطرها. طبعا هذا يتطلب من الحكومة إيجاد برامج خاصة لدعم توظيف ورفع مهارات هؤلاء العاملين الجدد لأجل تهيئتهم لمشاريع القطاع الخيري حتى يستفيد الطرفان، الموظف والمنشأة.

وربما الفرصة التاريخية المناسبة للحكومة لإحداث نقلة نوعية في القطاع الخيري السعودي تتحقق عبر الاتجاه المركز لمشاريع الاستثمار الاجتماعي النوعية، فهذه اداة عملية بيد الحكومة للاستعداد للمستقبل عبر الانشطة والتفاعلات الفكرية والاجتماعية التي يتبناها ويعمل عليها القطاع الثالث، ويبعثها من القاعدة الشعبية، فلديه المرونة والتخفف من القيود التشغيلية التي تساعده على الابتكار وطرح الأفكار والاراء بدون محاذير صارمه تقتل روح المبادرة والإبداع.

والسؤال: ماذا عن دور القطاع الخيري السعودي للدفع بهذه التطورات والنقلات الإيجابية الضرورية، هل سيكون متفرج ينتظر ما يصدر من الحكومة بدون تفاعل، وبدون أن يكون مُحرك وُمتفاعل مع الأحداث وجزء رئيس من صياغة الحراك الجديد؟ أم سيكون متفاعلا ومبادرا الى الحوار الإيجابي مع الحكومة، وقادر على تقديم الأفكار والمقترحات، ومصرًا مثابرا على تقديم همومه وتطلعاته وإحتياجاته وتحدياته، مستفيدا من تجربة القطاع الخاص مع الحكومة.

أجزم ان الحكومة ستكون مرحبة ومتفاعلة وداعمة لهذا الدور (المبادر) الجديد، فالأسباب والمنطلقات الانسانية والخيرية التي يسعى لها القطاع تعطيه الوجاهة والقبول حين تقديم الرأي وإبراز الاحتياجات والتحديات. القطاع الخيري لديه الممكنات التي تجعله شريكًا فاعلا وغير مكلف للحكومة أو عبئًا عليها إذا دخلت الحكومة بكل ثقلها السياسي والادبي والفني لبناء قطاع ثالث يكون مركز لتنمية وإستقرار المجتمع في العقود القادمة.

الحكومة بيدها تفعيل الصندوق السيادي الكبير المنسي، ونقصد هنا (الاوقاف العائلية). الاوقاف بكل انواعها هي مال عام مربوط للمصلحة العامة، ومعظم المجالات التي تستهدفها الأوقاف هي مجال الاحتياجات الفعلية القائمة، بالذات التي تمس مقومات الأمآن الاجتماعي. وأبرز ما تحتاجه هذه الاوقاف هو مبادرة الأجهزة الحكومية إلى وضع خطة متكاملة لتطوير منظومة الأوقاف. ويأتي في مقدمة الامور التي تحتاجها الاوقاف هو تطوير الأليات التي تعظم الاستثمارات الوقفية عبر توسيع مجالاتها وإخراجها من المجالات التقليدية الى مجالات جديدة. كذلك الاستثمارات الوقفية تعطي الحكومة الفرصة لإنشاء شركات الاستثمار الاجتماعي.
كل هذا يدعوا الى التطلع لمستقبل حافل بالتطورات الايجابية لدور المؤسسات الاهلية، إذا بادر القطاع الخيري وكان جريئا في تقديم دوره وهمومه وتحدياته، وقيمته المضافة.

المقالات الموجودة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب

للنشر والمشاركة