دع المعرفة تتدفق

كتب: د. محمد بن عدنان السمان

مدير إدارة المنح بمؤسسة سليمان الراجحي الخيرية

alsmman1@

ــــــــــــــــــ

في المؤتمر الأمريكي الأول للذكاء الاصطناعي والذي أقيم في عام 1980م أطلق أدوارد فراينبوم EDWARD FREIGNEBAM عبارته الشهيرة [ المعرفة : قوة KNOWLEDGE IS POWER] ومن ذلك الوقت بدأ التعامل مع المعرفة كعلم حتى جاء عام 1997م ونتيجة لإدراك أهمية المعرفة في عصر المعلومات نشأ مصطلح [ إدارة المعرفة KNOWLEDGE MANAGEMENT ] التي أصبحت مع مرور الأيام من أهم العلوم الحديثة التي تكتسب منها المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة قوتها وتميزها .
وإدارة المعرفة في أبسط معانيها هي القدرة على الاستفادة من رأس المال البشري [ الموارد البشرية ] وما يملكه من قدرات ومهارات وخبرات عن طريق استقطاب المعارف لديه وتوظيف ما تملكه المنشأة من بيانات ومعلومات وخرنها وتنظيمها ثم مشاركتها بحيث تحقق قيمة مضافة للعمل والعاملين .
وعليه فإن القيمة المضافة في العمل تنتج عن طريق الاستفادة من المعارف المتعلقة بالعناصر التالية :
• رأس المالي البشري : ويشمل مهارات الموظفين ومواهبهم ومعارفهم وخبراتهم .
• رأس المالي المؤسسي :ويشمل الثقافة المؤسسية والقيادة والعمل الجماعي والالتزام بتحقيق الأهداف الاستراتيجية .
• رأس المال المعلوماتي : ويشمل قواعد البيانات وأنظمة المعلومات والبنية التحتية التقنية للمعلومات .
إن توظيف إدارة المعرفة بالطريقة المثلى يساهم في الارتقاء في العمل وتجويده ويساعد في اتخاذ القرار الصائب ، والتحسين المستمر وابتكار الأفكار والمنتجات مما يعطي للمؤسسات والشركات ميزة تنافسية تتفوق فيها على غيرها .
ويمكن تلخيص ما تحققه إدارة المعرفة من منافع على مستوى الموظف بما يلي :
• تحسين وتسريع عملية اتخاذ القرار بسبب توفر الممارسات الأنسب
• زيادة الفعالية والانتاجية وذلك عبر الاستفادة من الحلول المجربة وتجنب تكرار الأخطاء السابقة .
• تسريع عملية نقل المعرفة وخاصة للموظف الجديد .
• زيادة الرضا الوظيفي عبر رفع مستويات التحفيز والمشاركة والولاء المؤسسي .
أما ما تحققه إدارة المعرفة على مستوى المؤسسات فمن أهمه ما يلي :
• المساهمة في البناء وتلبية الاحتياجات الاستراتيجية وذلك من خلال تطوير المعرفة المميزة ، والاستفادة من هذه المعرفة وعكسها على الابتكار في المنتجات والخدمات المقدمة .
• حصر المعارف ذات الأهمية الاستراتيجية والتشغيلية وتوثيقها وتحديثها لضمان أداء المهام بفعالية .
• توفير معلومات شاملة ودقيقة عند الحاجة إليها وفي أيّ وقت، ويتمّ ذلك من خلال جمع المعلومات، وتحليلها، وتخزينها، والقدرة على مشاركتها، واستخدامها، والمحافظة عليها وهذا يساعد إيجابياً في اتخاذ القرار .
• إدارة المعرفة تقود إلى تمكين المؤسسة كي تصبح أكثر فعالية وتشير الفعالية إلى مدى القدرة على تحقيق الأهداف، وحل المشكلات
• زيادة رضا المستفيدين عبر تقديم خدمات ذات جودة ومعارف مهمة وتواصل فعال .
• إدارة المعرفة من أهم عناصر ترشيد التكلفة وتخفيض المصاريف لأنها تضمن الحلول المناسبة بأقصر الطرق ووفق الوسائل المتاحة .
• كما أن منح المعرفة مجال من مجالات المنح التي تتبناه المؤسسات الأهلية ، فالخبرات المتراكمة يمكن تقنينها وتنظيمها لكي تمثل أفقاً جديداً للمنح ، وهذا ما تبنته المؤسسة الرائدة مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية من إطلاقها مساراً للمنح المعرفي اعتمد على الأصول والموجودات المعرفية التي بنتها المؤسسة خلال 20 عاماً من العطاء .
لقد بنيت إدارة المعرفة على جملة من الاستراتيجيات التي تساهم في الاستخدام الأمثل للمعرفة ومن أهم تلك الاستراتيجيات ما يسمى بالمجتمع المعرفي أو مجتمع الممارسة أو ما يطلق عليه أيضاً ( شبكات الناس ) ، وهي عبارة عن مجموعات من الأشخاص الذين يشارك بعضهم البعض في الاهتمام أو الشغف بشيء يقومون به ويتعلمون كيفية القيام به بشكل أفضل أثناء تفاعلهم بشكل منتظم ، فمجموعة للتخطيط وأخرى للتطوير وثالثة للجودة ورابعة للموارد البشرية وهكذا ..
هذه المجموعات العملية تشجع العاملين الذين لديهم اهتمامات مشتركة أو متخصصين في مجال معين – ولا يشترط فيهم أن يكونوا من وحدة إدارية واحدة – على تشكيل مجموعات لمناقشة المعرفة وتبادلها بينهم ، بحيث تشجع تلك المجموعات على تطوير معارفهم على نحو مستمر سواء بحلقات النقاش المباشرة أو الافتراضية عبر البرامج المرئية والبوابات الالكترونية .
ولو أخذنا مثالاً عالمياً على تلك المجتمعات المعرفية المتميزة نجد أن من رواد تلك المجتمعات مجموعة سيجينتا Syngenta Group وهي شركة تنتج الكيماويات الزراعية والبذور كشركة للتكنولوجيا الحيوية ومن آلية عملها تقسيم العاملين فيها إلى مجتمعات معرفية وفق اهتماماتهم ، وفي آخر العام توزع جوائزاً على المجتمعات المتميزة والفاعلة باسم جوائز ( TREE ) .
بل ويتعدى نقل المعرفة عبر مجتمعات المعرفة بالإستفادة من أصحاب الخبرة من المتقاعدين كما تفعله شركة شلمبرجير Schlumberger وهي من أكبر الشركات في العالم التي تعمل في مجال خدمات حقول النفط، ولها نشاط في حوالي 85 دولة ويعمل بها أكثر من 100 ألف شخص من 140 جنسية ، فمن صور استفادة هذه الشركة الضخمة من خدمات المتقاعدين إشراكهم في مجموعات الممارسة التي تجاوزت المائة مجموعة في الشركة .
ومن أهم المنطلقات للحفاظ على مجتمعات الممارسة وضمان استمرار عطائها إتاحة الوقت لكل مجموعة أن تنضج وفق المقومات التالية :
 لا تتوقع أن يصل مجتمعك إلى كامل إمكانياته بين عشية وضحاها حيث قد يستغرق ذلك بعض الوقت للحصول على الثقة والالتزام.
 عندما يكون هناك بعض الأدلة على بعض النجاحات الملموسة والنواتج ، ستشعر المجموعة بأن لديها مضمونًا وشيئاً تقدمه فهنا دور قادة المجموعة في بث روح التحفيز والتنافس.
 إن التحدي الأكبر الذي يواجه قادة المجموعة هو الحفاظ على دوافع المجموعة وحركتها حتى تصل إلى المستوى المطلوب من النضج.

مجتمعات الممارسة الذكية هي التي تستطيع أن تستخرج المعرفة من جميع أعضائها لتكون من تلك المعارف مجموعات أخرى معرفيه تسهم في الارتقاء بالعمل وتحقق المنشود من إنشاء هذه المجموعات .
وبالجملة فمجتمعات المعرفة من الوسائل المميزة في تطوير العمل والعاملين فيه ، وإكسابهم مزيداً من الخبرات المهمة في تحسين وتجويد عملهم ، وفق الشعار الأبرز لمجتمعات المعرفة كما هو شعار مجموعات الممارسة في البنك الدولي : دع المعرفة تتدفق .

المقالات الموجودة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب

للنشر والمشاركة